إذا كان الفكر السياسي هو كل ما يصدر من العقل البشري من أفكار ونظريات تتعلق بالقضايا السياسية وعالم السياسة وظواهره ومنه فإن السياسة في اللغة العربية من الفعل الثلاثي ساس يسوس ،سوسًا ،سياسة ومنها اسم الفعل سائس ، ويقصد به الذي يروض الخيل من حالة التوحش إلى حالة التآنس ،ومن حال الفوضى لحال المنظم ،من حال اللاقانون لحال القانون .
يبدو أن كلمة سياسة (politique ) مشتقة من الكلمة اليونانية (polis) التي تعني المدينة ،ففي
المدينة ومنها ولد وظهر أول فكر سياسي جدير بهذا الاسم ،لقد هيأت الملكة العقلانية
العجيبة لدى اليونان ،وسمحت،وعي تمارس على قضايا المدينة من حيث :أساسها وأخلاقها
ومؤسساتها وأمراضها المحتملة وعلاجاتها ،وبظهور تلك الصروح العظيمة في الأدب السياسي
العالمي المتمثلة في أعمال أفلاطون وأرسطو ولنؤكد بقول (أليسر أرنست باركر ) حيث
كتب أن أصل الفكر السياسي مرتبط بالعقلانية الهادئة والواضحة للفكر اليوناني
،فبدل أن يلقي اليونانيون بأنفسهم في
دائرة الدين ويروا هذا العالم بعبارات إيمانية كما فعلت ذلك شعوب الهند ويهودا
،اتخذوا مواقعهم في مملكة الفكر ،وكانت لديهم الجرأة على الاندهاش من الأشياء
المرئية وعلى طرح أسئلة على أنفسهم ،وسعوا
لإدراك الكون على ضوء العقل ،إن من السهل القبول بالعالم الطبيعي وبعالم مؤسسات الإنسانية
باعتبارهما حتميين على حد سواء كما أن من السهل عدم إثارة الأسئلة سواء حول معنى
علاقات الإنسان بالطبيعة أم حول علاقات الفرد بمؤسسات مثل الأسرة أو الدولة ،لكن
مثل هذا القبول الطبيعي في كل الأزمنة بالنسبة للفكر الديني كان مستحيلاً بالنسبة
ليونانيين.
واضح من القول أنه مبالغ فيه ويدلل على مركزية غربية ،حيث أن اليونان في نهاية المطاف بشر كباقي البشر يؤثرون ويتأثرون بغيرهم لأن العبقرية اليونانية لم تنتج من العدم بل لها جذور وإرهاصات في التاريخ لاسيما الحضارات الشرقية – كما سنلاحظ-
إذن معنى السياسة بالمنظور اليوناني ،وقد لا يختلف كثيرًا عن معناه العربي حيث يقصد بها تدبير المدينة ،هذه المدينة التي تعني في نظر اليونان الوحدة المثالية للحياة الاجتماعية والتجمع الأمثل للكائنات البشرية ،ومنه نخرج بالقول أن السياسة هي تخطيط عقلي يرمي إلى تأسيس أو إصلاح المدينة في العاجل - حسب المنظور اليوناني - لكن بالمنظور الإسلامي ،تأخذ بعدًا أكثر شمولية بدليل أن السياسة هي إصلاح أمور المدينة- Enseignant: noura kaddour