مفاهيم نظرية
4. 1 لـمـحـة عـن مـقـاربـات التـرجـمـة :
لقد أثرت اللسانيات بصفة مباشرة و كبيرة في نظريات الترجمة لعل السبب في ذلك مردّه إلى أنّها علم دراسة اللّغة ، لأنّ هذه الأخيرة تمثل جانبا أساسيّا من بين الجوانب الأخرى في العمليّة الترجمية و عليه لا يمكن الحديث عن نص بدون لغة و لا عن ترجمة بدون لغة .
غير أنّه ما إن ظهر علم الترجمة إلى الوجود حتى أخذت نظريات الترجمة تتنوع مع اعتمادنا على مناهج أكثر علمية تأهّلنا للتعامل مع القضايا التي تثيرها الترجمة .
و عليه تقسيم نظريات الترجمة إلى قسمين هما :
4. 1. 1 النـظـريـات اللـسـانـيـة و السـوسـيـو لـسـانـيـة :
يضم هذا القسم كلاّ من مقاربة كاتفورد 1965 ، مقاربة نايد 1964 ، نظرية جورج مونان 1963 ، مقاربة فيني و داربلني 1958 و نظرية المعنى .
4. 1. 2 النـظـريـات الـوظـيـفـيـة و الثـقـافـيـة :
نشأت هذه النظريات الوظيفية و الثقافية نتيجة اعتبار الترجمة كعملية تواصلية متأثرة في ذلك بمخطط التواصل الذي جاء به جاكبسون 1959 إضافة إلى اعتماد نظرية الإعلام و التواصل نذكر منها : النظرية الوظيفية لرايس و فيرمي، مقاربة نور (Nord) (1991) ، المقاربات المبنية على تحليل الخطاب (جون ديليزل) (J.Delisle) مقاربة بيكر (1992) ، مقاربة توري (Toury) ، مقاربة باسنت (Bassnett) و لافيفر (Lefèvre) ، مقاربة فينوتي (L.Venuti) . *
كما سبقت الإشارة إليه ، سنستعرض التكافؤ في النظرية الوظيفية ونظرية المعنى إضافة إلى مقاربات علماء الترجمة .
5. التـكـافـؤ فـي النـظريـة الـوظـيـفيـة :
ظهرت المدرسة الوظيفية مع منتصف السبعينيات من القرن الماضي و تعرف باسم نظرية سكوبو (Skopos) أو الهدف أسسها كل من فيرمي (Vermer) و رايس (K.Reiss) وهي تقوم على التكافؤ في وظيفة النص .
صاغ فيرمي نظريته الوظيفية سنة 1978 بناءا على ثلاث مبادئ :
1 – تحدد استراتيجيات الترجمة انطلاقا من وظيفة النص و هذه الوظيفة يحددها مانح النص للمترجم (الهدف) .
2 – ينبغي على الترجمة أن تكون مستساغة من طرف قارئ النص الهدف (مبدأ التناسق) .
3 – ينبغي المحافظة على الروابط بين النص الأصل و النص الهدف (أمانة) .
يمكن القول أن خصوصية النظرية الوظيفية تكمن في أنها تمنح أولوية للنص الهدف على حساب النص الأصل كما يرى فيرمي :
" يكمن دور المترجم في إنتـاج نص يمكنه أداء نفس الوظيفة المحددة من ظرف مـانح النص الأصل أما النظريـات الأخرى فهي ترى أن على المترجم البحث عن التكافؤ بين النص الأصل و النص الهدف " .
هذه النظرة الجديدة سمحت لفيرمي و رايس بإعلان نظرياتهما الوظيفية سنة 1984 كتكملة لأعمالهما السابقة (رايس 1983 ، فيرمي 1978)
5. 1 مـقـاربـة رايـس :
ترى رايس (K.Reiss) أنه ليس من السهل تحقيق التكافؤ بين النص الأصل و النص الهدف لأنّ وظيفة الأوّل تختلف عن الثاني لهذا أعدّت سنة 1983 نمذجة النصوص (Typologie des textes) حيث خصصت لكل نوع استراتيجية من الترجمة . أما فيما يخص التكافؤ فهي ترى أنه يتحقق بين نصوص بأكملها وليس على مستوى كلمة أو جملة و لكل نوع من النصوص تقابله وظيفة خاصة تأثر في الترجمة و عليه فهي تميز ثلاث وظائف لكل منها يناسب نوعا من النصوص تبعا لمقصد التواصل و هي :
1 – إبلاغ الحقائق : المعلومات ، المعارف ، الحجج يقابل هذا التواصل الوظيفة الإخبارية .
2 – النصوص الإبداعية و الأدبية (الفتية) تصنف ضمن الوظيفة التعبيرية .
3 – الوظيفة الندائية تحيل إلى النصوص التي تهدف إلى دفع القارئ إلى القيام بسلوك معين .
كما أشارت رايس في فصل مخصص لشرح مقاربتها * تُنتج حالتين : الحالات العادية و الغير عادية :
أ – الحـالات العـاديـة :
* إذا كان نص لغة الأصل كتب لنقل محتوى معلوماتي فإنّ هذا المحتوى ينبغي نقله كما هو في نص لغة الهدف .
كـيـفـيـة الـتـرجمـة :
يتم التركيز على المعنى بهدف المحافظة على المحتوى الثابت فإذا كان هناك تضمينا في النص الأصل يجب استبداله بالصريح و العكس صحيح .
* إذا كان هدف نص لغة الأصل نقل محتوى فنّي أو أدبي فإنّ هذا المحتوى يتم نقله بالاعتماد على البنية الأدبية للنص (الشكل) .
كـيـفـيـة الـتـرجمـة :
على المترجم تحقيق مقصد الكاتب من خلال إعادة إنتاجه في النص الهدف و المحافظة على قيمة النص الأدبية .
* إذا ما كان نص لغة الأصل ينقل محتوى إقناعي بغية دفع القارئ إلى القيام بسلوك معين فإنّ هذا المحتوى ينبغي نقله في النص الهدف بحيث يكون له نفس الأثر على سلوك قارئ النص الهدف .
كـيـفـيـة الـتـرجمـة :
يتم تكييف الميكانيزمات السيكولوجية المتعلقة باستعمال الخطاب الإقناعي تبعا لحاجيات قارئ النص الهدف .
ب – الحـالات غـيـر العـاديـة :
في الحقيقة توجد حالة غير عادية و هي عندما تختلف وظيفة النص الهدف عن وظيفة النص الأصل إضافة إلى ذلك إذا تعذر تطبيق النمذجة المقترحة فإن رايس ترى أنه لا يكون السؤال ما الهدف من النص الأصل و لمن كتب ؟ و إنما يطرح السؤال : ما الهدف من ترجمة النص و لمن يتم ترجمته .
6. نـظـريـة المـعـنى :
ظهرت نظرية المعنى أو نظرية مدرسة باريس على يد مؤسستها دانيكا سليسكوفيتش (Danika Seleskovitch) و ذلك كحوصلة لأعمالها الموجهة نحو الترجمة التعاقبية بحيث كانت في حد ذاتها مترجمة فورية متقنة لعدة لغات إضافة إلى تدريسها الترجمة التعاقبية في المدرسة المذكورة .
أسست دانيكا سليسكوفيتش نظريتهـا على البحث التجريبي و الطابع الموضوعي للترجمة . فهي ترى أن الترجمة ليست عملية لغوية محضة و إنمـا اللغة هي نقطة الانطلاق للوصول إلى المعنى . " فاللغات إذا ما أتقنها المترجم لا تمثل موضوع الترجمة " .
فحسب هذه النظرية فإنّه توجد في كل ترجمة تقابلات ومتكافئات فالأولى تحيل إلى الكلمات و الثانية تتحقق على مستوى الخطاب و تكون إمّا جزءا من نص أو نصا بأكمله " [...] الترجمة بالتقابل تكون بين اللغات و مبنية على العناصر اللغوية التي لا تتأثر بالسياق كالأسماء ، و العداد و المصطلحات التقنية أما الترجمة بالتكافؤ تكون بين أجزاء من الخطاب او بين النصوص بأكملها حيث تتأثر الدلالة اللغوية بالسياق ... " .
من هنا يمكن القول أن السياق يلعب دورا بالغ الأهمية في تحديد التكافؤ و أن هذا السياق يرتبط بالظروف الخارج لغوية التي ينبغي على المترجم إدراكها كي يصل إلى مقصد الكاتب .
6. 1 المـفـاهـيم الأسـاسـيـة لنـظـريـة المـعـنى :
6. 1. 1. الفـهـم (Compréhension) :
يعتبر الفهم عملية أساسية في العملية الترجمية و هذا الأخير لا يتحقق بالقراءة العادية و إنما ينبغي تكملتها بالمعارف التي يمتلكها القارئ أما المترجم فهو يدرك المعنى " بفضل التكميلات المعرفية التي يمتلكها مع إضافتها إلى الدلالات اللغوية " .
6. 1. 2. مـبدأ الاستيـعـاب (Assimilation) :
استوحت سليسكوفيتش مفهوم الاستيعاب من بياجيه (J.Piaget) لأنّ الاستيعاب عملية بسيكولوجية و بغية إدراك المعلومات يجب علينا " [...] استيعاب المعلومة الجديدة و تكييفها مع المعلومات القديمة ... " فهذا الاستيعاب نجده عند المترجم أثناء فهمه لمعلومات النص الأصلي و كذا محاولة تكييف المعلومات السابقة استنادا إلى السياق الذي أنتج فيه النص الأصلي .
6. 1. 3. الانسـلاخ الـلـغـوي (Déverbalisation) :
وجد مفهوم الانسلاخ اللغوي إطارا نظريا و تجريبيا عند سليسكوفيتش من خلال البحث الوجه نحو الترجمة الفورية و الترجمة التعاقبية و مما ساعد على ذلك التفريق بين اللغة و الفكر .
فالتـرجمة الفورية [...] تساعد على ملاحظة صيرورة فكر المتـرجم في كل ثانية من خلال تعبيراته و توقفاته للتفكير و كذا تردداته ... [أما الترجمة التعاقبية] ... تبين الانسلاخ اللغوي لفكر المترجم " .
تعرف سليسكوفيتش الانسلاخ اللغوي كما يلي :
" إنّ تسمية الانسلاخ اللغوي جديدة إلاّ أنّ فكرته تعدّ فكرة قديمة كقدم الترجمة إذ لا يزال محل شك من طرف أولئك الذين يؤمنون بوجود لغة من دون فكر . لا يمكن أن نسمي مترجمـا فوريـا ما لم يستطع إعادة نفس الخطـاب بلغة أخرى لكن ليس بنفس الكلمات و لهذا استنتجنا أنـه توجد بين مرحلة فهم الخطـاب و مرحلة إعادة صياغته مرحلة وسطى تختفي فيهـا الكلمات مـا عدا بعض الاستثناءات ... " .
6. 1. 4. إعـادة الصـيـاغـة (Reformulation) :
تعتبر إعادة الصياغة المرحلة الثالثة في مسار العملية الترجمية بحسب نظرية المعنى و تكون نتيجة لفهم و استيعاب كلمات النص الأصل و استخراج دلالاتها ثم يعد ذلك على المترجم صياغة هذه الدلالات استنادا إلى بنية اللغة الهدف مع الحفاظ على تلقائية الرسالة .
بعدما أثبتت سليسكوفيتش مقبولية النمط النظري التأويلي في الترجمة الشفوية سعت جاهدة إلى تطبيقه على الترجمة المكتوبة و بالفعل كان ذلك في سنة 1978 حيث أصبحت نظرية المعنى تطبق على الترجمة المكتوبة . منذ ذلك الحين استقطبت هذه النظرية كثيرا من علماء الترجمة العاملين في ميادين المعرفة المختلفة على غرار ترجمة النصوص البراغماتية و التقنية و القانونية و حتى النصوص السمعية البصرية إضافة إلى ترجمة النصوص الأدبية .